Sunday, October 7, 2012

الثُقب..!


يدور في طرقات الشقة بلا هدف محدد, يذهب كثيراً إلى المطبخ يفتح باب الثلاجة ويخرج زجاجة المياه ويعيدها مكانها دون أن 
يشرب.
 لديه إحساس داخلي بأن هناك شيء ما مفقود, ينظر إلى نفسه في المرآة الموجودة عند باب الخروج...ذقن غير حليق وهلالان أسودان يحتضنان عيناه من أسفل يفضحان أرقه الدائم.
يبدو ككهل عجوز الآن برغم أن عُمره لما يتعدى العشرون سوى بعدد من السنوات يعد على أصابع اليد الواحدة.
 الكل يخبره بأنه يبدو أكبر سناً, أو يصدم عندما يعرف سنه ,كان دوماً يعتقد أنهم يمدحون رجاحة عقلة أو أسلوبه في العمل ولكنه أدرك الآن أنهم كانوا يشفقون عليه ليس أكثر.
يذهب إلى غرفته الغير مرتبة إلى الآن حيث أنه قد انتقل في تلك الشقة منذ عدة أيام فقط ولكنه لم يفرغ حقائبه إلى الآن..
عاش دوماً ينتظر شيء ما , لا يعلم ما هو ولكنه رغم كرهه للانتظار كان ينتظره. يعيش حياته دوماً كشيء مؤقت ويقسمها إلى مراحل.... "لما هتخرج هعمل....", "لما أخلص جيش..." , "لما أقعد في شقة لوحدي..." ... "لما أشتغل في المكان الفلاني...".
كم هو شيء قاسي عندما تدرك أن بعض الأشياء التي تنتظرها لا تكون بالعظمة التي توقعتها عندما تأتي...عادية...مثلها مثل كل شيء أخر...
ما أصعب الانتظار الغير معلوم المدة و ما أصعب الوحدة الغير محددة الأجل....
تنتشله تلك الموسيقى المزعجة التي تنبعث من النافذة من بحور أفكاره التي لا تنتهي...أفكاره مثل الـ
Chain reaction
 تبدأ في اتجاه وتنتهي في اتجاه معاكس تماماً فكرة تجر فكرة ينتهي بهم المطاف لفكرة أخرى لا يمكنك ربطها بالفكرة الأولى. يفتح النافذة ليجد أن تلك الضوضاء تنبعث من سطح أحد العمارات المجاورة حيث حوله أحد قاطنيه إلى قاعة أفراح. تخترق الموسيقى إذنه لتبعث فيه شعور غير مريح على الإطلاق هو يحب الموسيقى بطبعه ولكن هذه الضوضاء ليست موسيقى على الإطلاق. لكي تصبح "دي جى" في مصر يجب أن يكون جزئك السفلي مرتكز على ركائز غير ثابتة و أن تضغط على كافة أزرار الجهاز بلا توقف وتستخدم كافة المؤثرات الصوتية بسبب وبدون سبب.
الجميع يبدو سعيداً يرقصون بمرح وتعلو أوجههم ابتسامه عريضة. هل هم سعداء حقاً أم يتصنعون السعادة كما يتصنع أنه على قيد الحياة كل يوم. تبعث فيه حفلات الزفاف كآبه غريبة شئنها شأن الأعياد ورأس السنة...شعور مقيت لا يعرف وصفه.
يغلق النافذة ولكن الصوت مازال يجد طريقه إلى داخل الغرفة. أطفئ الأنوار و فرد جسمه على السرير وأمسك بهاتفه نظر إلى الأسماء المسجلة عليه عددها يتخطى ال300 أسم ولكنه يشعر أنه لا يعرفهم جميعاً يشعر بأنهم غرباء. تتملكه رغبة قوية في محادثة أحد ما ولكنه لا يرى هذا الشخص في أي منهم. لديه رغبة قوية في الحديث وفي نفس الوقت لا يريد أن يتحدث. يريد شخص ما يسمعه أو حتى يضع كل منهما السماعة على أذنه ولا ينطق أي منهم فقط من أجل الشعور بأن هناك شخص ما بجواره يسمع صوت أنفاسه ليؤكد له أنه على قيد الحياة ولو حتى عن طريق الموجات اللاسلكية.
ينظر لتلك الجملة المعلقة بجوار سريرة والتي تظهر تحت الإضاءة الخافتة التي تنبعث من الهاتف ولكنه لا يحتاج إضاءة ليقرئها فهو يحفظها عن ظهر قلب " وشعرت بأن في روحي ثقباً ؛ ثقباً يتسع و يمتص كل ذكرياتي و حياتي و أحلامي .وددت لو كان شخص أعرفه بقربي أحكي له كل شيء ؛ أقص عليه حكاية الثقب."*
أصعب أنواع الوحدة هي تلك التي تشعر بها وسط البشر شعور يشبه شعور الغربة في قلب الوطن. يمر بسرعة في الأسماء ثم يتوقف قليلاً عند اسمها .. يتردد قليلا ثم يضغط على زر الاتصال لحظات تمر كأنها شهور ثم يأتيه هذا الصوت الرتيب تييت تييت ثم تظهر على الشاشة عبارة
" no answer."
 يغلق هاتفه تماماً.
يتذكر صديقة الأوفى الذي لم يخذله أبداً يخرج ورقه وقلم ويبدأ يخط أحداث الليلة على سطور لنفسه ليقرأها فيما بعد ومازالت الموسيقى تنبعث داخل الغرفة مضفيه جو من الفوضوية المناسب لكل الأحداث التي يعيشها حالياً


عمرو خاطر


*من رواية حكاية ثقب - د. أحمد خالد توفيق