Monday, December 23, 2013

Disconnect... !



يجلس محملقاً في شاشة الكمبيوتر أمامه. تتسارع الأرقام والبيانات يحاول أن لا يفقد تركيزه , يمد يده إلى كوب القهوة الموضوع على يمينه دون أن يفقد اتصال العين مع الشاشة الزجاجية. يرتشف قليلا من المشروب الساخن بيمناه بينما تتابع اليد اليسرى عملها بمهارة في النقر على لوحة المفاتيح. يقطع تركيزه صوت نقرات على الحاجز الخشبي الفاصل بينه وبين مكتب أحد زملائه في العمل بينما يصيح أحدهم من أخر الممر "الساعة خمسة".

يغلق الكمبيوتر ويدفع بالمتبقي في الكوب إلى حلقة دفعة واحدة، يرتدي الجاكيت الخاص به وينصرف.يقف في طابور طويل أمام ماكينة البصمة التي تسجل الحضور والانصراف. يوزع نظراته على الجميع فإذا ما صادفت أحد يعرفه قام بتحيته عن طريق حركة ميكانيكية من حاجبية. حتى بالتلويح باليدين انقرض! يفكر مبتسما. يخرج من باب المبنى العملاق ذو الواجهات الزجاجية متوجهاً نحو السيارة. يخرج صندوق السجائر من جيبة ويشعل واحدة.

يتذكر أنه قد وعد نفسه بالإقلاع فيلقي السيجارة على الأرض ثم يطفأها بقدمه. زحام زحام زحام … كما اعتاد يوميا .. اوقات الذروة هي كل الأوقات في هذا البلد الكئيب. الجو خانق على الرغم من كونه في يناير. يمد يده ويغلق زجاج السيارة فتخفت أصوات الزحام من حوله. يشعل مكيف الهواء متمتماً هذا أفضل. يمد يده نحو راديو السيارة ليشعله ولكن تقاطعه نغمة متقطعة على هاتفه معلنة وصول رسالة نصية من أحدهم. يفتح الرسالة فيجدها من زوجته الطبيبة "عندي عمليات كتير النهاردة هرجع الصبح في أكل في الديب فريزر". يبتسم قائلاً "حاسس اني متجوز التليفون" ..

في بداية الزواج كانوا يخلقون الوقت مهما كنت الظروف للقاء وللخروج وتناول العشاء بالخارج. كانوا يذهبون إلى السينما مرة أسبوعيا. يخضرون حفلات موسيقية ثم بعد أول عام بدأت الاعتذارات المتبادلة من الطرفين في بادئ الأمر عن طريق مكالمات يغلفها الحب والحميمة وآلاف الاعتذارات والوعود بتعويض اليوم. بعد فترة أصبحت رسائل صوتية ثم رسائل نصية تذيلها كلمة "بحبك" ثم اختفت تلك الكلمة تدريجا من الرسائل لتصبح مثل رسائل الأخبار المزعجة التي تغرق هاتفك المحمول يومياً.يشعر باختناق رغم برودة الجو داخل السيارة بفعل مكيف الهواء .. يمد يده ليحل رابطه عنقه.. يسأل نفسه عن سبب ارتداء رابطة العنق في الملابس الرسمية؟ هل لتذكرك دائماً بأنك لست حُر؟ مثل ذلك الطوق الذي تضعه للحيوان الأليف ليعلم أن له سيد يجب أن يطيع أوامره.

هل جرى العُرف أن ترتدي أنت ذلك الطوق الملون يومياً لتعرف أن قرارك ليس بيدك .. أن لك سيد هو العمل أو المال يخبرك بما يجب أن تفعله أو لا تفعله. رُبما!تنبعث نغمة رنين الرسائل مرة أخرى يلتقط الهاتف فيجد بريد إلكتروني من العمل يخبرونه بأن عليه أن يحضر اجتماعا ما في الإسكندرية غداً صباحاً.. اللعنة على كل أرباب الأعمال لو أنهم كانوا قد اشترونا من أسواق العبيد لكانت معاملتهم لنا أكثر إنسانية واحتراما من تلك التي يتعاملون بها الأن.

 يخرج من منزله بعد أن بدل ملابسة بشيء أكثر راحة للسفر يحمل حقيبته ويخرج هاتفه المحمول ليتصل بزوجته. رنين متقطع ثم البريد الصوتي يخبرها برحلته الغير متوقعه وينطلق في طريقه .يكره السفر وحيداً , في حقيقة الأمر يكره الوحدة عامة. ففي وحدته يعمل عقله على تقليبك كل القرارات والمواقف الخاطئة في حياته ليذكره كم هو أحمق.

يبدأ أولا بقرار الزواج , لماذا تزوج؟ تزوج لأن على كل شاب أن يتزوج في مرحلة ما من حياته .. تزوج لأنه إذا لم يجد المرأة الصحيحة فكلهن خاطئات ولن يفرق من منهن سيتزوج..  تزوج لأنه أراد أن يملئ هذا الثقب الذي يأكله من الداخل ذلك الثقب الذي لن يملئه إلا الشخص المناسب ولكن حينما تسأم من البحث عن هذا الوهم المسمى بالشخص المناسب تحاول جاهدا أن تملئ هذا الفراغ الدائري بكافة أنواع الإشكال إلا الدائرة. تزوج لأنه مل جملة والدته المعتادة كلما رأته "نفسي أشيل عيالك قبل ما أموت " ثم تبكي قائله "إحنا كده....مابنعرفش نفرح" . ليجد نفسه بين عشية وضحاها جالسا في أحد الصالونات يطلب يد فتاه لا يعرف شيء عنها سوى أنها –طبقا لمعلومات السيدة الفاضلة والدته – بنت حسب ونسب وأصول وفوق كل هذا طبيبه .يجلس في مشهد عبثي يتناول الحلويات ويشرب العصير بينما يتبارز الجانبان في إظهار محاسن ابنه أو ابنته للطرف الأخر كأنهما في سوق للعبيد كل يروج لبضاعته.

ثم ينتقل لقرار أخر خاطئ ف حياته هو قبوله لتلك الوظيفة المرموقة الرتيبة في أحد الشركات ولكن ما باليد حيلة في وظيفة مضمونة وعائدها المادي مجزي ثم "إنت مش لوحدك دلوقتي ...إنت في رقبتك بيت و أسرة" .. تبا لهذا الاستقرار الخانق ...يصل إلى الفندق الذي سوف بقضي به ليلته يصعد إلى غرفته ويبدل ملابسة ثم يقرر النزول ليجلس في أحد الكافيهات الشهيرة ليحتسي قهوة سيئة الطعم ذات سعر مبالغ فيه. تقاطعه نغمة هاتفه مرة أخرى ليجد بريد إلكتروني بجدول وميعاد الاجتماع يضع الهاتف أمامه ثم يدور بعنينه في المكان المزدحم...يجد مجموعة من الفتيات لم يكدن يبلغن العشرين بعد يلتفون حول منضدة دائرية تمسك كل واحدة منهن بهاتفها في يدها و تتحرك أصابعها على مفاتيحه بسرعة مذهلة دون أن تنظر إحداهن للأخرى .. ظل يراقبهن لبضع دقائق قبل أن ترفع إحداهن رأسها و تنظر لباقي المجموعة قائلة بإنجليزية مصطنعة
“I Know…Right?”
ثم يضحكن وتعود كل واحدة مننهن إلى شاشة هاتفها
. يا إلهي! ... إنهم يتحدثون إلى بعضهم البعض عبر الرسائل الافتراضية على الرغم من جلوسهم على بضع سنتيميترات من بعضهم البعض ! يكمل جولة عينية في المكان ليجد أن الكل مشغول بهاتفة أو الكمبيوتر الخاص به .. الكل ينظر إلى فخذية ويبتسم .. لا أحد يتحدث إلى الآخر. يشعر بالاختناق فيطلب الحساب وينصرف.

يذهب إلى الشاطئ برغم برودة الجو. لا أحد غيره الآن هناك . ينظر إلى المجهول إلى الامتداد اللانهائي من المياه أمامه. كم هو شعور رائع أن تنظر مد بصرك دون أن تحجمك جدران أو مباني أو سيارات. يشعر أن قلبه قد شاخ برغم أنه ما زال في منتصف الثلاثينيات .. يشعر أن عمره قد سلب او يتم سلبه .. فليذهب الاستقرار إلى الجحيم إن كان سيقتله بالبطيء. اللعنة على الأسلاك والرسائل والهواتف التي أصبحت تبعد الناس بعد أن كان السبب الأول لاختراعها هو التقريب بينهم في المقام الأول . يرن الهاتف اللعين مرة أخرى بريد إلكتروني أخر ... تحمر وجنتاه وتكاد عروقه أن تنفجر من الغيظ وهو يقرأ ان الاجتماع قد تأجل للأسبوع القادم و أن الشركة تعتذر عن الإزعاج ... يصرخ بكامل صوته حتى كاد أن يجرح حنجرته ... اااااااااااااااه ! لماذا هو مجبر على تحمل مثل هذه التفاهات وهذا الاستعباد ... هذا هو الشيء المزعج ... إنه ليس في حاجة لكل هذا .. يفتح بريد جديد ليرسل رسالة لمديرية يخبرهم باستقالته .. يتصل بزوجته , لا أحد يرد! يعاود الاتصال , لا يوجد رد ! يرسل لها رسالة يخبرها بقراره المفاجئ .. لحظات ويجد اسمها في خانة المتصل على شاشة هاتفه ! الآن تتصل؟! يمسك بالهاتف ويطوح به بكل قوة في البحر ,يفقد توازنه ويسقط على ظهره فوق الرمال. يرقد صامتا يتأمل السماء التي امتلأت بالغيوم يتنفس بعمق لأول مره منذ أعوام بينما يتساقط عليه المطر من أعلى وتغشاه الأمواج من أسفل. !


عمرو خاطر

Saturday, August 24, 2013

حسابات الكــارما....!


يقف أمام المرآة ممسكاً برابطتي عنق في كلتا يديه وينظر نحو وجهه المجهد. تبدو عليه علامات الإجهاد وهذا شيء طبيعي لشخص لم يذق طعم النوم منذ أكثر من 48 ساعة. من مكان ما في الشقة ينبعث صوت أحد المقرئين من جهاز الكاسيت قائلاً " وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ"[1] فيجهش بالبكاء وتخذله قدماه، يشعر انه على وشك السقوط يتراجع حتى يصل للفراش ويلقي بنفسه عليه. ينظر الى البرواز الخشبي المعلق امامه، صورته مع امرأة شقراء جميلة تبتسم في الصورة ابتسامة رائعة وهي تحاول ان ترميه بالماء بينما يتفادى هو الماء ساقطاً على الأرض ضاحكاً. كان هذا هو لقائهما الأول، تضارب المشاعر بداخلة الآن، يبتسم وهو يبكي وينتحب بدون صوت. يلملم ما تبقى من قوته وينهض ثم يذهب نحو المرآة مرة أخرى. يدرك لأول مرة كم هو صعب انتقاء رابطة العنق المناسبة. يرتدي الملابس الرسمية منذ زمن طويل ولكنها كانت دوما تتخير له الأصلح من رابطات العنق. كانت دائما ما تقول له "لولاي لظن الناس أنك تسرق تلك الملابس من أشخاص مختلفين"، فيقول لها "كنت أبدو هكذا قبل أن القاك فلم أحببتني إذن"، تجاوبه بابتسامة "أشفقت عليك"، ثم تجري ضاحكة.
يحمل الرابطتين ويتوجه نحو الصورة، أرجوك ساعديني، ينتظر الرد ولكن لا شيء يحدث. يكرر طلبه. نفس النتيجة، يُلح أكثر، لا شيء، يبكي قائلا هذا ليس عدلاً ... ينظر إلى أعلى ويقول "لم تتركيني؟ لم يكن هذا هو الاتفاق، لم تكن تلك هي الخطة، كان من المفترض أن نتقدم في العُمر سوياً، كان المفترض أن نطوف العالم وحدنا، لم رحلتي وتتركيني ها هنا وحيداً؟"
يترك رابطتي العنق بجوار الصورة قائلاً: لن أرتدي تلك الأشياء مرة أخرى، يكفيني ضيقي واختناقي من الحياة.
يخرج نظارة الشمس السوداء يرتديها ويحمل مفاتيح السيارة، يغلق الكاسيت ويخرج من المنزل.
يركب سيارته ويخرج سيجارة ويشعلها. “ألم نتفق أنك ستقلع عن التدخين؟" يناديه صوتها من جانبه. ينظر إلى مقعد السائق فيجدها تنظر إليه نظرتها التي تخترق روحة فتفصح عيناه عما بداخلة، تنظر إليه نظرة الطفل الذي طلب شيء من والدة ولم يأته به، عندها يفتح نافذة السيارة ويلقي بالسيجارة وهو يقول " أسف! لن تتكرر، وها هي العبوة بأكملها" ثم يمسك بالعبوة ويلقيها من النافذة.
يمد يده مبتسما نحو يدها يمسك بها ثم يقربها من فمه ليقبله قائلاً " أرجوك لا تغضبي" فيجد نفسه يقبل الهواء. ينظر إلى جواره فلا يجدها. ينظر خلفه، لا أثر لها. ينتزعه من أحلامه أصوات أبواق سيارات متصلة وأنوار عالية متقطعة ينظر فيجد نفسه في الاتجاه المعاكس من الطريق، يتفادى السيارات القادمة في مواجهته ثم يعود إلى طريقة.
يصل إلى المقابر فيجد هناك العديد من البشر المتشابهين كلهم يرتدون الأسود، يرددون نفس الكلمات، نفس نظرات الشفقة، تلك النظرة التي تجدها في عين أحدهم عندما يرى صورة لأحد أطفال المجاعات في أفريقيا أو رأى كلباً بثلاث أرجل فقط. كان يمقت تلك النظرة كما يمقت البشر. يتهرب من الأشخاص الموجودين ويقف بعيداً بجوار أحد الأشجار. يقوم أحد المشايخ بإلقاء خطبة عن الموت والحياة بعد الموت ثم يطلب من الجميع الدعاء.
عندما أتت لحظة وضع جسدها في التراب لم يستطع أن يتمالك نفسه فأسرع نحو السيارة منطلقاً لا يعرف إلى أين.
ماتت وهي غاضبة منه، كان هذا ما يعذبه حقاً. لم يكن بجوارها ليخبرها مدى حبه لها. لم يكن بجوارها ليمسك يدها، ليمسح بأصابعه على وجهها لكي لا تشعر أنها وحيدة لحظة الفراق. كانت مشاجرة تافهة ليس لها معنى مشاجرة عادية كملايين المشاجرات اليومية التي تحدث بين الأزواج. لو كان يعرف أن تلك الكلمات التي قالها هي أخر ما سوف تسمعه منه للأبد لتمنى أن يشل لسانه قبل أن يقولها. خرجت غاضبة، عِنده الغبي منعه من أن يخرج ورائها مثل كل مرة ...
نرتكب العديد من الحماقات ظناً منا أن لدينا الوقت الكافي لنعتذر عنها، ولكن في الحقيقة أننا لا نملك وقتاً لأي شيء. أغلقت الباب بعنف، نزلت مسرعة إلى الشارع، قال لنفسه لن أركض ورائها، ليست هذه المرة. يمسك بريموت التلفاز ويقلب بين القنوات، يسمع صوت أبواق سيارات تأتي من النافذة، صوت ارتطام، ضجيج بشر، صوت يخترق الجميع ليطلب أحدهم الإسعاف.

يجري نحو النافذة ليجدها ملقاة على الأرض بجوار سيارتها وسط بركة من الدماء، سيارة يقودها صبي تقف أمامها، الطفل يبكي واحدهم ممسكاً به يمنعه من الهرب. شعر بأن عيناها تنظر إليه، خرج مسرعا من المنزل يقفز على السلالم يصل إليها ويحتضنها، ولكنها لا تتنفس. يضغط بيده على قلبها ... يردد كالمجنون ... أسف ... أسف ... أسف ... سامحيني ... لا .... لا ... يضمها إلى صدره ... يحاول رجال الإسعاف أن يخلصوها من بين يديه. تتشنج يداه حولها ويردد بهستيريا ... أسف ... سامحيني ... يحوقل الناس من حوله، وبعضهم يبكي.
تنشله من ذكرياته أصوات الأبواق مرة أخرى هل هو في الطريق المعاكس مرة أخرى؟ لا .. لا توجد سيارات أمامه ولكن سيارته تتجه نحو أحد أسوار الكوبري. يحاول أن يعدل مسارة ولكنة يفشل، تصدم السيارة بالرصيف ومنه إلى السور الحديدي لتخترقه وتسقط باتجاه النهر. يمسك بالمقود بكلتا يديه، يغمض عينه ، ويبتسم ... !




[1] سورة الأنبياء – أية 89


عمرو خاطر 
اغسطس 2013

Sunday, October 7, 2012

الثُقب..!


يدور في طرقات الشقة بلا هدف محدد, يذهب كثيراً إلى المطبخ يفتح باب الثلاجة ويخرج زجاجة المياه ويعيدها مكانها دون أن 
يشرب.
 لديه إحساس داخلي بأن هناك شيء ما مفقود, ينظر إلى نفسه في المرآة الموجودة عند باب الخروج...ذقن غير حليق وهلالان أسودان يحتضنان عيناه من أسفل يفضحان أرقه الدائم.
يبدو ككهل عجوز الآن برغم أن عُمره لما يتعدى العشرون سوى بعدد من السنوات يعد على أصابع اليد الواحدة.
 الكل يخبره بأنه يبدو أكبر سناً, أو يصدم عندما يعرف سنه ,كان دوماً يعتقد أنهم يمدحون رجاحة عقلة أو أسلوبه في العمل ولكنه أدرك الآن أنهم كانوا يشفقون عليه ليس أكثر.
يذهب إلى غرفته الغير مرتبة إلى الآن حيث أنه قد انتقل في تلك الشقة منذ عدة أيام فقط ولكنه لم يفرغ حقائبه إلى الآن..
عاش دوماً ينتظر شيء ما , لا يعلم ما هو ولكنه رغم كرهه للانتظار كان ينتظره. يعيش حياته دوماً كشيء مؤقت ويقسمها إلى مراحل.... "لما هتخرج هعمل....", "لما أخلص جيش..." , "لما أقعد في شقة لوحدي..." ... "لما أشتغل في المكان الفلاني...".
كم هو شيء قاسي عندما تدرك أن بعض الأشياء التي تنتظرها لا تكون بالعظمة التي توقعتها عندما تأتي...عادية...مثلها مثل كل شيء أخر...
ما أصعب الانتظار الغير معلوم المدة و ما أصعب الوحدة الغير محددة الأجل....
تنتشله تلك الموسيقى المزعجة التي تنبعث من النافذة من بحور أفكاره التي لا تنتهي...أفكاره مثل الـ
Chain reaction
 تبدأ في اتجاه وتنتهي في اتجاه معاكس تماماً فكرة تجر فكرة ينتهي بهم المطاف لفكرة أخرى لا يمكنك ربطها بالفكرة الأولى. يفتح النافذة ليجد أن تلك الضوضاء تنبعث من سطح أحد العمارات المجاورة حيث حوله أحد قاطنيه إلى قاعة أفراح. تخترق الموسيقى إذنه لتبعث فيه شعور غير مريح على الإطلاق هو يحب الموسيقى بطبعه ولكن هذه الضوضاء ليست موسيقى على الإطلاق. لكي تصبح "دي جى" في مصر يجب أن يكون جزئك السفلي مرتكز على ركائز غير ثابتة و أن تضغط على كافة أزرار الجهاز بلا توقف وتستخدم كافة المؤثرات الصوتية بسبب وبدون سبب.
الجميع يبدو سعيداً يرقصون بمرح وتعلو أوجههم ابتسامه عريضة. هل هم سعداء حقاً أم يتصنعون السعادة كما يتصنع أنه على قيد الحياة كل يوم. تبعث فيه حفلات الزفاف كآبه غريبة شئنها شأن الأعياد ورأس السنة...شعور مقيت لا يعرف وصفه.
يغلق النافذة ولكن الصوت مازال يجد طريقه إلى داخل الغرفة. أطفئ الأنوار و فرد جسمه على السرير وأمسك بهاتفه نظر إلى الأسماء المسجلة عليه عددها يتخطى ال300 أسم ولكنه يشعر أنه لا يعرفهم جميعاً يشعر بأنهم غرباء. تتملكه رغبة قوية في محادثة أحد ما ولكنه لا يرى هذا الشخص في أي منهم. لديه رغبة قوية في الحديث وفي نفس الوقت لا يريد أن يتحدث. يريد شخص ما يسمعه أو حتى يضع كل منهما السماعة على أذنه ولا ينطق أي منهم فقط من أجل الشعور بأن هناك شخص ما بجواره يسمع صوت أنفاسه ليؤكد له أنه على قيد الحياة ولو حتى عن طريق الموجات اللاسلكية.
ينظر لتلك الجملة المعلقة بجوار سريرة والتي تظهر تحت الإضاءة الخافتة التي تنبعث من الهاتف ولكنه لا يحتاج إضاءة ليقرئها فهو يحفظها عن ظهر قلب " وشعرت بأن في روحي ثقباً ؛ ثقباً يتسع و يمتص كل ذكرياتي و حياتي و أحلامي .وددت لو كان شخص أعرفه بقربي أحكي له كل شيء ؛ أقص عليه حكاية الثقب."*
أصعب أنواع الوحدة هي تلك التي تشعر بها وسط البشر شعور يشبه شعور الغربة في قلب الوطن. يمر بسرعة في الأسماء ثم يتوقف قليلاً عند اسمها .. يتردد قليلا ثم يضغط على زر الاتصال لحظات تمر كأنها شهور ثم يأتيه هذا الصوت الرتيب تييت تييت ثم تظهر على الشاشة عبارة
" no answer."
 يغلق هاتفه تماماً.
يتذكر صديقة الأوفى الذي لم يخذله أبداً يخرج ورقه وقلم ويبدأ يخط أحداث الليلة على سطور لنفسه ليقرأها فيما بعد ومازالت الموسيقى تنبعث داخل الغرفة مضفيه جو من الفوضوية المناسب لكل الأحداث التي يعيشها حالياً


عمرو خاطر


*من رواية حكاية ثقب - د. أحمد خالد توفيق

Wednesday, July 18, 2012

هجرة....


يجلس وحيداً في الشرفة برغم تأخر الوقت وبرودة الطقس إلا أنه لا يرتدي سوى ملابس صيفية خفيفة. يخرج سيجارة  ويشعلها ثم يأخذ نفس عميق. يسعل بشدة فتلك أول مرة في حياته يضع سيجارة في فمه, يشرب قليلاً من الماء ثم يأخذ نفس أخر من نفس السيجارة . تلك المرة أقل ألماً من السابقة. ينظر الآن إلى هذا الشيء المشتعل في يديه ولا يدري لما يتعلق به بعض البشر إلى تلك الدرجة. ينظر إلى السماء الخالية تماماً من النجوم ويبتسم قائلاً : حتى القمر وحيد. ينظر الى السيجارة التي قاربت على الانتهاء ثم ينظر إلى العلبة الموجودة على أطراف سور الشرفة تلك العلبة التي اشتراها منذ عدة أيام دون أن يعلم السبب فهو لا يدخن ولا يحب التدخين ربما أرد أن يقنع نفسه بأنه قادر على المجازفة أو على الخروج عن المألوف.. فهو كما يصف نفسه كائن نمطي لا يحب المجازفة ولا يعشق المجهول. متردد دوماً خائف من شيء ما لا يعلمه عنده شعور طوال الوقت بأن لديه امتحان شديد الصعوبة في الصباح وهو غير مستعد.
تنتهي السيجارة ينظر إليها وتنتابه رغبة ملحة بأن يطفئها في جسده ولكنه يقاوم تلك الرغبة ويلقيها في فنجان القهوة الشبة فارغ أمامه. يقوم من جلسته ويتجه نحو غرفة نومه يبحث عن ريموت الكاسيت ويضغط على أحد الأزرار فتنبعث من السماعات موسيقى "صامويل باربر"* فتنتابه رعشة خفيفة. يرفع الصوت ويتجه نحو الدولاب يخرج طقم الملابس الوحيد المتبقى بداخله ويغير ملابسه. يلاحظ في أخر الدولاب تلك النوتة التي كان يكتب فيها مذكراته صغيراً يمد يده ليلتقطها ويفتحها لتسقط من داخل طياتها وردة ذابلة يلتقطها وهو يبتسم ثم تخرج منه تنهيدة طويلة لقد وضع تلك الوردة بداخلها منذ زمن طويل كان وقتها يؤمن بأن لكل شخص نصيبه من الحب الذي سوف يلقاه في يوم ما من الأيام. لقد وضع تلك الوردة لكي يعطيها لفتاة أحلامه يوم يلقاها ليخبرها أنه ينتظرها منذ زمن بعيد. يعيد الوردة إلى مكانها قائلاً بصوت متحشرج "يا عبيط". يقلب في صفحات تلك النوتة فيجد أبيات شعر مكتوبة بخطة السيئ الذي يعرفه جيداً " حلم حزين بين أطلال النهاية في ذبول يبتسم.... عُمر على الطرقات كالطفل اللقيط يسأل الأيام عن أب وأم ... نهر جريح تنزف الشطان في أعماقه حتى سواقيه الحزينة مات في فمها النغم..."** يغلق النوتة وينتهي ارتداء ملابسة ويتجه نحو الصالة صوب الحقيبة الكبيرة المجودة في منتصف الطاولة يضع بداخلها النوتة ويلقي نظرة سريعة على محتوياتها ثم يغلقها ويجذبها من مقبضها ليحملها فيسمع صوت ريموت التلفاز يسقط من على الطاولة ليفتح التلفاز ينظر الى المشهد الموجود على الشاشة الزجاجية "إمتى بتحس ان البلد دي بلدك فعلاً؟ لما إيه يحصل؟" "بلدي هي البلد اللي فيها الناس اللي بحبهم..!""هايل..اللي بتقدروا تتواصلوا مع بعض..اللي في بينكوا وبين بعض أرضية مشتركة..صح؟" "صح." "طب أنا دا مش حاصلي..!"***
يمد يده ليغلق التلفاز وهو يبتسم قائلاً مش حاصل لحد فينا أصلاً...
يحمل حقيبته ويخرج من الشقة ويغلق الباب خلفه ينزل إلى الشارع يقرر أن يتمشى قليلاً فهو يحب المدينة ليلاً ينظر إلى الشوارع الخالية من المارة يسأل نفسه هل سيفتقدها .. يمر بجوار أحد الأرصفة التي جلس عليها منذ عدة أشهر مع إحدى صديقاته بتذكر الحوار الذي دار بينهما
-أنا بفكر في الهجرة..
-إنت بتتكلم جد الغربة صعبة يا ابني
- هو يعنى اية غربة أصلاً
-يعني تعيش في مكان تحس فيه إنك غريب
- مهو أنا حاسس بالغربة هنا وحاسس اني غريب هنا فا من باب أولى إني أسافر على الأقل الشعور دا هيبقى مبرر
 --
يخرج هاتفة من جيبه ويكتب رسالة نصية "أنا مسافر النهاردة.... هتوحشوني" ويرسلها ل 3 أسماء على هاتفة ثم يغلق الهاتف... لم يخبر أحد بميعاد السفر فهو يكره الوداع يتوقف عن المشي  ويشير لأحد سيارات الأجرة يركب في الخلف ويخبر السائق بوجهته قائلاً المطار لو سمحت..

تمت


*Samuel Barber - Adagio for Strings
http://www.youtube.com/watch?v=izQsgE0L450
** من قصيدة وخلفتا ذئب الغنم لفاروق جويدة
*** من فيلم ميكروفون

Wednesday, February 1, 2012

عازف الجيتار العجوز






في وقت متأخر من أحد ليالي الشتاء استيقظ أهالي البلدة على صوت جيتار حزين يشق سكون أحد ليالي ديسمبر الباردة توجه الجميع كلٌ نحو نافذته في محاولة لإكتشاف مصدر الصوت ولكن كثافة الضباب حالت بينهم وبين لمصدر..

استيقظ الناس في صباح اليوم التالي وظلت أنغام الجيتار الحزين تنبعث من أطراف البلدة ناحية النهر, توجه اهالي البلدة الى هناك ليجدوا رجلا عجوز رث الثياب طويل اللحية هزيل الجسم يعزف دون توقف على أوتار جيتارة الخشبي القديم وتتساقط دموعه في نظام متناغم مع الحان جيتاره الحزينة

ظل الناس يتوافدون ومكثوا بجواره لساعات وساعات منتظرين ان يتوقف عن العزف للحظة حتى يتثنى لهم سؤاله ...من انت ومن اين اتيت؟ وما حكايتك ولكنه لم يتوقف كذلك للم تتوقف دموعه عن الانهمار.. ظلوا صامتين لساعات عديدة منتظرين أن يصيبه التعب ولكن دون فائدة.ذهب اليه حكيم البلدة ليسأله قام العجوز من على شاطئ النهر ظن الناس أنه سوف يتوقف عن العزف ويجيب عن أسئلة الحكيم ولكنه ظل يواصل العزف ومشى ناحية الطريق..

مضى العجوز في طريقة مستمرا في عزف نفس اللحن الحزين وتبعه أهالي البلدة حتى أدركهم المساء فذهبوا جميعاً الى منازلهم دعاه البعض ليقضى الليلة عندهم ولكنة لم يكن يجيب لم كن حتى ينظر الى احد ولم يتوقف عن العزف للحظة واحدة.

ظل العجوز يعزف طوال الليل كان هناك شيء غريب في عزفه انه نفس اللحن لم يتغير منذ ليلة الأمس يعيده مرارا وتكرارا لحنٌ على قدر ما يحمله من حزن بين أنغامه على قدر ما يبعث من طمأنينة غريبة في النفوس فلأول مرة منذ سنوات ينام أهل البلدة نوماً عميقاً على تلك الأنغام ,تتوقف الأطفال عن البكاء بمجرد سماع أنغامه تلتف الطيور حوله في السماء وهي تغرد كأنها تغني على هذا اللحن الحزين.

في صباح اليوم التالي استمرت الأنغام ولكن بصوت خفيض بحث الناس عن الرجل العجوز وجدوه عند أطراف البلدة في طريقة الى مغادرتها حاول اهل البلدة ان يقنعوه بالبقاء ولكنه لم يرد لم يكن يلتفت اليهم كانت عيناه الغائرتان في تجويفهما بفعل السن والدموع تنظر نظرة ثابتة نحو شيء ما في الافق شيء غير مرئي كانت نظراته ثابته تجاه نقطة محددة كأن هناك شيء لا يراه الى العجوز في هذا الاتجاه.

ظل عازف الجيتار العجوز يتنقل من بلدة الى بلدة ومن مدينة الى مدينة وتناقلت اخباره في كل مكان منهم من يقول أنه رأه عند النهر ومنهم من يقول انه عند أطراف الغابة منهم من يقول انه ليس ببشر فما يفعله فوق طاقة البشر لاينام لا يأكل لا يتوقف عن البكاء ظل عازف الجيتار العجوز يتنقل من مكان الى مكان دون أن يعرف أحد قصته.حتى وصل الى قرية ما جلس بالقرب من شجرة فوق أحد التلال الخضراء شجرة وحيدة في وسط تلك الأرض الشاسعة أسند ظهره إليها وظل يعزف دون توقف.

ظل الناس يتوافدون من كل أنحاء البلاد من كل القرى والمدن التي مر عليها ليجلسوا بالقرب منه ويستمعوا الى هذا اللحن العجيب.ظلوا يتسائلون عن حقيقته ,عن قصته .لم يستطيع أحد أن يعرف ربما هو لا يريد ان يعرف أحد قصته لا تعرف الناس انه كان عازف مشهور في يوم من الأيام كان أشهر عازف جيتار عرفته تلك الأرض كان متزوج من أجمل إمرأه في الكون كما كان يخبرها دوماً. كانت كل ليلة تطلب من ان يعزف لها أحد الالحان المفضلة اليها اللحن الذي سمعته اذنيها في أول مرة تراه عيناها

كانت دوماً تخبره بأنه سوف يصبح العازف الأشهر في البلاد كان دوما ما يبتسم عندما تخبره ذلك وهو يقول "لا أعتقد هذا فأنا مجرد عازف جيتار فقير يعزف في الحانات وعلى الطرقات" كانت اجابتها واحدة "سوف ترى" وتبتسم ابتسامة تنير له حياته المظلمة كأول شعاع ضوء يخترق الظلام معلناً رحيله وقدوم الفجر.

كانت تقول له عدني بأنك ستظل تعزف لي هذا اللحن كل ليلة مهما بلغت من الشهرة وكل مرة يقول لها أعدك ومرت الأيام وأصبح أشهر عازف في البلاد كان الملوك والنبلاء يطلبونه بالاسم كان يعزف الحانه في أكبر المسارح ويوماً بعد يوم يزداد شهره ومال ولم يعد يعزف اللحن لزوجته . كان دوماً ما يقول لها أنه أصبح مشهوراً الآن وأن هذا اللحن يذكره بأيام الفقر والعناء.

في يوم من الأيام منذ عدة سنوات عاد الى بيته ليلا ليجد زوجته في انتظاره لم يلحظ شحوب وجهها طلبت منه ان يعزف لها لحنها المفضل أخبرها أنه مرهق ولا يستطيع العزف الحت في طلبها ولكنه عنفها وخلد الى النوم أستيقظ في الصباح ليجدها ليست بجواره ظن انها تحضر طعام الافطار ذهب ليبحث عنها ليجدها على الأرض في شرفة المنزل وفي يدها ورقة مرسوم فيها شجرة وحيدة وسط أرض خضراء فوق أحد التلال كانت دوماً ما تحكي له عن هذا المكان وكيف أنها رأته في طفولتها في أحد أسفارها مع أبيها وكيف أنها حفرت اسمها على تلك الشجرة كان دوما ما يقول لها في يوم ما سنرحل سويا ونبحث عن هذا المكان ونبني هناك بيتاً صغيراً لنا..مرت الأيام وهذا اليوم لم يأتي...في ظهر الورقة وجد كلمة واحدة بخطها " أُحبك"

أخذ يضمها الى صدرة ويبكي بجنون ذهب الى جيتاره وهم أن يكسره ولكنه تراجع عن هذا وأخذ على نفسه عهداً بأن يعزف هذا اللحن وأن لا يتوقف حتى أي يجد هذا المكان المرسوم في تلك الورقة ويعزف بجوار هذه الشجرة لعلها تسامحه أو لعله يسامح نفسه. ظل يجوب البلاد لسنوات حتى وجد المكان أخيراً

****

في صباح أحد الأيام استيقظ اهل البلدة ولم يسمعوا صوت العزف ظنواجميعاً أن العجوز قد رحل . ذهبوا الى الشجرة أعلى التل وجدوه هناك يسند ظهره الى الشجرة وجيتارة ملقى بجانبه وفي يده صورة لتلك الشجرة ظنوا أنه نام أخيرا من التعب ذهب أحدهم ليوقظه فوجدة جثة هامدة عيناه محدقتان في السماء و ابتسامة سعادة مرسومة

على شفتيه لاحظ أحدهم تساقط بعض الدماء من أظافره ووجود بعض لحاء الشجر عالق بها فنظر الى الشجرة فوجد عليها نقشين أحدهما قديم ويحمل اسم فتاة والأخر يبدو حديثاً حاول قراءته فوجدها كلمة "سامحيني"

تمت


عمرو خاطر



*image: The Old Guitarist Painted by Pablo Picasso in 1903

Thursday, September 1, 2011

Abandon Ship -- هجر السفينة


********

******

****


يُعدل من رابطة عنقه ويلقي نظره سريعة على وجهه في المرآة.يحدق في ذلك الشخص الغريب الذي يبادله النظرات عبر الزجاج البارد,يعبث في شعيرات ذقنه الغير حليقة ثم يتمتم قائلاً " أنا محتاج أجازة". يعلم جيداً أنه في حاجة إلى الراحة… فهو يعمل في ثلاث وظائف دفعة واحدة ليس لحاجته إلى المال ولكن محاولة لشغل وقت الفراغ أو ربما يحاول أن يختبر مدى قدرة تحملة..يريد أن يعرف متى سينهار….ربما.

يضع قليلاً من العطر ويحمل مفاتيح السيارة ويدس علبة السجائر في جيبه.هو لا يدخن! ولكنه يصر على حمل علبه السجائر معه لسبب لا يعلمه منذ أن أشتراها منذ يومان..ربما يبدأ في التدخين قريباً….لا يعلم فالتدخين كما هو مكتوب على العبوة " يدمر الصحة ويسبب الوفاة" يبتسم في كل مرة يقرأ هذه العبارة ويقول "طريقة جديدة لتقصير تلك الرحلة المملة والتخلص من متاعب الحياة بسرعة".

يقود سيارته مسرعاً مستغرباً في نفس الوقت من عدم الزحام في هذا التوقيت بينما تنبعث من السمعات تلك الكلمات" سؤال بسألك إيه اخرة الترحااال*؟" يطلق تنهيدة طويلة وتخونه دمعه تجري مسرعه على وجهه وهو يقول "ايه أخرتها؟؟"

هذه الرحلة التي يقطعها الآن من الرحلات الثقيلة على قلبه فهو ذاهب إلى حفل زفاف أحد الأقارب وهو يكره حفلات الزفاف عموماً يبتسم وهو يتذكر التدويه المعتادة بعد كل حفل زفاف يحضره على حسابه على "تويتر"

"I hate weddings!".

كل حفلات الزفاف على حد تعبيره " مسرحية سخيفة كل جمهورها من النقاد". ينتقدون فيها كل تفصيلة مهما كبيرة كانت او صغيرة "مالقتش غيرة؟؟" , "متجوزها علشان فلوس أبوها" , "مفيش قاعة أضيق من دي شوية كانوا يجيبونا فيها؟؟".

كان دوماً يقول "لما اتجوز هكتب الكتاب وأخد عروستي من إيدها ونخرج مع بعض في أي مكان لوحدنا ومش هلبس بدلة ولا هي هتلبس فستان وعمري ما هقعد في قفص مفتوح -مسمينه مجازاً كوشة- والناس تتفرج علينا".

ولكن ليس لهذا السبب وحده يكره حفلات الزفاف فحفلات الزفاف مكان مناسب دوماً لعزف أردئ الألحان من شاكلة "مش هنفرح بي بقى؟؟" , "مش ناوي تكمل نص دينك؟" ويوجد ماكان أيضاً للدراما العائلية " نفسي أشيل عيالك قبل ما أموت" ولا مانع من بعض الكوميديا أيضاً " مش هتتجوز بقى قبل الشعرتين اللي فاضلينلك ما يروحوا؟؟"

هو ليس ضد الزواج من حيث المبدأ ولكنها ضد أن يصبح الزواج في حد ذاته غاية. الزواج من أجل الزواج فقط من أجل التخلص من لقب أعزب للرجل والهروب من لقب عانس للفتاة.

هو مؤمن أن الزواج خطوة أساسية ولكن عندما يجد الفتاة المناسبة الفتاة الصحيحة وطالما لم يجدها فكل الأخريات خاطئات. يتذكر عبارة عبقرية من أحد المقالات والتي كان دائماً ما يقتبس أجزاء منها في الرد على الآخرين تقول"زواجك إذن بامرأة من أى مجتمع، هو زواج بمجتمع كامل بكل حسناته وبكل سيئاته. وما يزيد الأمر تعقيداً فى حالة المرأة المصرية أنها نتاج مجتمع يكاد يكره نفسه، ويكاد يصل فى كراهية النفس إلى حد يصعب على التحليل وعلى الفهم**"

يقطع حبل أفكاره رنين الهاتف وأبواق السيارات في الشارع المزدحم ها قد بدأ الزحام ينظر إلى الهاتف يجد رقم رئيسه في العمل يرد عليه ويخبره أنه لن يستطيع القدوم كما أخبره بالأمس لظروف عائلية..

يضع الهاتف ثم ينظر إلى الطريق المزدحم أمامه ثم يقول لنفسه " وأنا إيه اللي جابرني على كدة" يلتقط الهاتف يضغط على الأزرار ثم يضعه على أُذنه عندما ينقطع الرنين يقول " ألو...لأ للأسف مش هقدر أجي.......لسه في الشغل وغالباً هتأخر......قوليلها مبروك واعتذرليها بالنيابة عني....سلام"

يغلق الهاتف تماماً ثم يلقيه في الخلف...يخلع رابطة العنق ويلقيها بجانبه على المقعد الخالي يرفع صوت الموسيقى ويرفع صوته بالغناء والضرب بيده على المقود وسط ذهول السيارات المجاورة لا يهتم بهم ويرفع صوته وهو يردد

Abandon ship before it’s too late

Or all this love I’ve got will turn into pain,

You’re not so very far away

But I feel more distant with each passing day

I’m alone***

عمرو خاطر,,,

* من أغنية سؤال – محمد منير

** من مقال يسري فودة – لماذا لا أريد أن أتزوج

***Abandon Ship – Song by: Sorry Kisses