Saturday, January 3, 2009

مقهـــى


مقهى
اجلس في مكاني المعتاد في هذا المقهى المشهور ذو الاسم العالمي المعروف و الموجد تقريباً في معظم بلدان العالم.جلوسي في هذا المكان تحديداً دون غيره ليس لأنه أفضل مكان بالمقهى ولا لعقده نفسية ولا لذكرى معينه فيه ولكن لحبي للشعور بالألفة في المكان الذي اجلس فيه ولرغبتي بالشعور بأنني اجلس في مكان اعرفه ويعرفني مكان اشعر بأنه ملك لي وحدي رغم معرفتي أن هناك مئات من الأشخاص غيري يجلسون في هذا المكان.
واعتقد إن لرغبتي الغريبة هذه وأشياء أخرى يتهمني الأشخاص المقربين بأنني ((لاسع)) وإنني أحب أن أفلسف الأمور كما أريد حتى ولو كانت تافهة وبسيطة من وجهة نظرهم ولكن بالنسبة لي فأنا اعلم انه لا يوجد شيء في الحياة بتافه أو صغير فكل شيء وكل لحظة وكل أمر قد يراه الآخرون أمر عابر بالنسبة لي مهم.ها أنا أفلسف الأمور مرة أخرى كما يتهمونني انظر حولي في المقهى ثم انظر إلى الحقيبة التي أحضرتها معي واخرج منها الحاسب الشخصي.
رغم عدم حبي من الأساس لتلك المقاهي العالمية التي بدأت تغزو حياتنا بشكل مستفز إلا أنني أأتي إلى هنا من حين إلى أخر بحثاً عن الهدوء وفي الحقيقة أميل أكثر إلى المقاهي العادية التي يصفونها أو يسمونها بالمقاهي البلدي أو الشعبية أحبها وأحب الاستماع إلى صياح الناس في الشارع الذي تجلس أنت فيه تقريباً أكثر من كونك تجلس في مكان مغلق فهذا المكان ما هو إلا كردون من الكراسي ينتهي بنصبة داخل الدور الأرضي لأحد العمارات القديمة ويسمى هذا المكان مجازاً بالمقهى.
الذي يميز تلك المقاهي البلدي هو البشاشة الحقيقة التي يقابلك بها صبي القهوة أو حتى المعلم صاحب الملك تلك الابتسامة الصادقة التي تشعرك بالأمان وتشعر معها انك تدخل غرفة المعيشة في منزل احد أقاربك لتجس معه والتي تختلف عن تلك الوجوه البلاستيك و الابتسامات الباردة الالكترونية التي يستقبلك بها الجارسونات في المقاهي العالمية والتي إذا ما سألته عن المنيو ألقى عليك الكثير من الأسماء الأجنبية التي لا تستطيع أنت أن تتذكرها أو تعرف معناها وإذا ما حالفك الحظ واستطعت اختيار احدهم تقده يلقي عليك قائمة أخرى من الاختيارات والإضافات لنفس المشروب.على العكس في المقاهي البلدي فالمشروبات معروفة بل وفي بعض المقاهي ينزل لك المعلم كوب من الشاي تحية من المقهى لتشربه أولا وبالمجان قبل أن تبدأ في طلباتك.أما في المقاهي العالمي فكل شيء له ثمن حتى الابتسامة 10% خدمة تضاف على الفاتورة ودائماً ما اشعر بالبرد بداخلها حتى وان كنا في عز الصيف فهي دائماً مكيفة على عكس المقاهي العادية وهذا ما أراه من وجهة نظري ميزة حيث تجلس وتستمتع بكوب من عصير الليمون الطبيعي المثلج عن طريق قطع غير منتظمة من الثلج تطفو بداخل الكوب تستمتع به في احد أيام شهر يوليو شديدة الحرارة وترشف من رشفات صغيرة ببطء وأنت تستمتع بالشعور بالسائل المثلج يخترق جوفك مرطباً إياه وينزل بعد ذلك ليرطب قلبك قبل أن يرطب معدتك.
ترتشف رشفة أخرى وأنت تراقب اثنان من الموظفين الحكوميين أو رجلان على المعاش يلعبان الدومينو بحماس وتستمع إلى طرقعة هبوط أوراق الدومينو على المنضدة الخشبية العتيقة وربما تجد بجوارهما احد الأشخاص يشجع أيضاً.
وفي المنضدة المجاورة لهما مبارة حامية في الطاولة بين شخصان آخران وفي هذه المبارة تجد جمهور أكثر يشجع ويترقب حيث هذه المبارة ليست عادية وإنما مبارة على المشاريب.
تراقبهما بسعادة وأنت ترتشف الرشفة الأخيرة من الكوب والمبارة أيضاً تقارب على الانتهاء فتجد الشخص المهزوم يغلق علبة الطاولة بعنف التكشيرة تعلو وجهه قائلاُ: حظك بمب ..مخاطباً الشخص الأخر الذي يرد بسعادة مخاطباً صبي القهوة:الحساب عند الأستاذ....
لا أرى هذه البشر هنا في المقاهي العالمية فقط بعض الأشخاص يجلسون ليتابعوا احد القنوات الغنائية التي بينها وبين المقهى عقد منفعة متبادل حيث تعرض المقهى القناة وفي المقابل تعرض القناة إعلانات للمقهى أدور بعيني بين البشر الجالسين بحثاً عن الاشخاص الذين أحب متابعتهم في المقاهي البلدي فلا أجد انظر إلى الكوب الكبير من القهوة أمام شاب يجلس مع صديقته في المنضدة المجاورة وهم يتحدثون بصوت خافت فأجد أن الكوب اقرب إلى الجردل منه إلى كوب وأترحم على فنجان القهوة الصغير الذي ((يعدل المزاج بصحيح)) وليس هذا الكوب العملاق الذي لا يؤثر في رأسك الحجرية.
انظر إلى الشارع من خلف الزجاج وانظر إلى السيارات المسرعة والبشر الذين يتحركون فيه.اشعر كأنني سمكة زينة تراقب العالم من خلف الزجاج تعوم في حوض جميل وواسع وفخم وبرغم مساحته الواسعة فإنها تشعر انه يضيق يكاد إن يخنقها تراقب العالم وتحلم بالحرية.
برغم عدم ارتياحي هنا إلا إنني اضطر أحياناً أن أأتي إلى هنا عندما يكون لدي بعض الأعمال التي أريد أن افعلها على شبكة الانترنت ولا أريد أن اجلس في المنزل فأأتي إلى هنا حاملاً حاسبي الشخصي وادخل على الانترنت من هنا فبداخل معظم المقاهي العالمية يوجد انترنت للزوار,وهنا استطيع أن أنجز أعمالي دون أن يقاطعني أحد وهذا المكان أفضل من مقاهي الانترنت حيث صياح الأطفال وهم يلعبون لعبة غريبة تسبب التخلف العقلي أو تطفل الشخص الذي يجلس بجوارك بالنظر إلى شاشتك كل فترة زمنية قصيرة كما تنظر أنت في مرآة سيارتك وإذا ما رآك تحدث صديقة من صديقاتك أو زميلة من زملائك في العمل يطلب منك عنوان بريدها الالكتروني بكل وقاحة.
يقطع حبل أفكاري الجرسون وهو يضع كوب القهوة العملاق أمامي انظر إلى الكوب واشعر بالحنين لفنجان قهوة في احد المقاهي الشعبية أغلق الحاسب واطلب الحساب.
ادفع الحساب الذي يعتبر نكتة سخيفة لثمن كوب من القهوة واخرج إلى الشارع إلى الحرية اشعر بالسعادة فقد خرجت السمكة من الحوض إلى المحيط. أتوجه نحو الحسين لأجلس على مقهى هناك...

عمرو خاطر
ديسمبر 2008

No comments: